الوقف عظيم الأثر إذ تنبني عليه مصالح دنيويةٍ وأخروية، وهو في حقيقته قربة من القربات، يستمر ثوابه للواقف إلى يوم القيامة، وأما في الدنيا فيحقق مبدأ التكافل الاجتماعي، ويعزز من قيم التشاركية والرحمة والإيجابية، فيعود نفع الوقف على المجتمع والدولة ومؤسساتهما فضلًا عن أعيان الأفراد، إضافة إلى كونه سببًا في حماية المال وإطالة أمد الانتفاع منه، وإعانة الحكومات على أداء واجباتها، ومساعدتها في التفرغ لشؤونها الأهم دون أن تتخلى عما يجب عليها من أساسيات.
ولأجل إتمام هذه الدراسة التي حظيت بدعم كريم من بنك الجزيرة، كان من الجدير الإفادة من أصحاب الخبرة في المجال الوقفي؛ ولذلك سعينا في استثمار المستقبل إلى الاستعانة بفريق متخصص للعمل على هذه الدراسة، يقدمهم باحث ذو خبرة في مجال الأوقاف ليقوم بتنفيذها بمستوى عال يوازي أهميتها، حيث تتجلى أهميتها البالغة فيما يلي:
- أنها سابقة إلى موضوع لم يُتطرق له من قبل فيما نعلم.
- أنها قائمة على نتائج حالات دراسية تطبيقية لأوقاف معمَّرة.
- إسهامها في معالجة مشكلة تعطل الأوقاف.
وتهدف هذه الدراسة إلى:
- بيان مفهوم الأوقاف المعمَّرة.
- تحديد خصائص الأوقاف المعمَّرة.
- استنتاج عوامل الاستدامة للأوقاف المعمَّرة محل الدراسة.
- الإسهام في إثراء أفضل الممارسات في القطاع الوقفي.
منهجية الدراسة:
اعتمدنا منهجية دراسة الحالة لنتعرف من خلالها على أبرز سمات الأوقاف محل الدراسة، وحللنا هذه السمات للتوصل إلى العوامل التي كان لها دور فاعل في استدامتها، وكان اختيار الحالات بناء على معايير محددة وواضحة وهي:
- أن يتجاوز عمر الوقف مئة سنة.
- أن يكون في المملكة العربية السعودية.
- أن تكون أصول الوقف قائمة.
- توافر مصادر أولية للبيانات يمكن الوصول لها كالوثائق أو الأشخاص ذوي الدراية.
وقد اخترنا ستة أوقاف متنوعة في موقعها الجغرافي، وأصولها، ومصارفها، وتم الاعتماد في جمـع المعلومـات علـى: دراسـة الوثائـق، والمقابلات المقننـة، ودراسـة ما كتبـه المتقدمون والمعاصرون حولها، ليساعد مجموع هذه الوسائل في تكوين تصور واضح عن سمات الوقف محل الدراسة، وللتوصل لعوامل الاستدامة فقد ناقشت الدراسة التحديات التي واجهت الوقف وبحثت عن العوامل التي أسهمت في تخطيه لهذه التحديات.
وقد أضفنا التاريخ الميلادي التقريبي المقابل لكل تاريخ هجري مذكور قدر الاستطاعة حتى يكون البعد الزمني مدركًا لدى القارئ حسب التقويم الذي يتعامل معه، واحتسبنا أعمار الأوقاف وفقاً للتاريخ الهجري. كما اجتهدت الدراسة في الترجمة لبعض الأعلام، وتجاوزنا بعضها لاستفاضة شهرتها، وتركنا قسمًا منها لصعوبة البحث عن ترجمة لها.
خطة الدراسة:
تشتمل الدراسة على: مقدمة، وتمهيد، وفصلين، وخاتمة، وملاحق حسب التفصيل التالي:
- المقدمة: فيها بيان لفضل الوقف، ولأهمية الدراسة، وأبرز أهدافها، ومنهجيتها، وملخصها.
- التمهيد: فيه تعريف الوقف لغة واصطلاحًا، وإيضاح معنى المعمَّرة، ونبذة عن تاريخ الوقف.
- الفصل الأول: سمات الأوقاف المعمرة من خلال ست حالات دراسية.
- الفصل الثاني: عوامل استدامة الأوقاف المعمَّرة من خلال ست حالات دراسية.
- الخاتمة: فيها تنويهات وتوصيات.
- الملاحق: وفيها جدول للمقارنة بين الأوقاف المدروسة، وموقع الأوقاف على الخارطة، وملحق لبعض الصور، وتلخيص لما ذكر في الدراسات الأخرى من عوامل للاستدامة، ونموذج للتواصل مع المهتمين.
وخلصت الدراسة إلى ما يلي:
أن الأوقاف المعمرة تعرضت لتحديات مشابهة للتحديات التي تعرض له عدد من الأوقاف المعطلة، إلا أنها بعد توفيق الله استطاعت تجاوزها، وكان من الأسباب المعينة على ذلك:
- عوامل متعلقة بالواقف: من حسن قصده، وقيامه على وقفه في حياته.
- عوامل متعلقة بتوثيق الوقف: تمثلت في الصياغة المحكمة لصك الوقفية، والتوِثيق المناسب لها، ومراعاة المتغيرات، والتكيف مع المتطلبات الجديدة، والمبادرة لمعالجة عيوب الصك إن وجدت.
- عوامل متعلقة بالأصل الموقوف: كان على رأسها حسن اختيار الأصول، والإدارة الحكيمة للأصل، وتنويع الأعيان الموقوفة، وتحرير أعيان الوقف منفصلة عن بقية الأملاك الشخصية، واختيار مكان العين الموقوفة بدقة وعناية، والشراكة في الوقف بإلحاق أوقاف أخرى عليه.
- وعوامل متعلقة بالمصارف: اتضحت في المرونة في تحديد المصرف، ومراعاة المتغيرات المستقبلية، وتخصيص جزء معتبر من الغلة لصيانة واستمرارية الوقف والنظارة عليه، تنوع المصارف في أوجه الخير.
- عوامل متعلقة بالناظر وإدارته: اختيار القوي الأمين، واشتراط معايير معينة في الناظر، ووجود آلية لاستخلاف النظار، وتحديد حالات وضوابط عزل الناظر، وعناية الناظر بتحقيق غاية الواقف واحترام شروطه، والحرص على صيانة الأصل، وترشيد الصرف.
- عوامل خارجة عن الوقف: القضاء المستقل، وتمييز الأوقاف في المعاملة، واحترام استقلاليتها، ودعم المجتمع وحمايته، والاحتساب على النظار عند التقصير.ِ