مسميات ومصطلحات العمل الخيري
تتعدّد المسمّيات التي تُطلق على العمل الخيري، وتتنوع المصطلحات المستخدمة في وصفه، رغم اتفاقها في المعنى العام، إلا أن هذا التنوّع يعود إلى اختلاف الخلفيات العلمية للمختصين والباحثين في هذا المجال، وكذلك الجهات التي تتعامل مع هذا النوع من الأعمال.
فعلى سبيل المثال، تنظر الكيانات الاجتماعية إلى هذا النشاط باعتباره (عملًا غير ربحي)، بينما يُنظر إليه من قِبل الأفراد المشاركين فيه على أنه (عمل تطوعي)، أما الجهات الحكومية فتستخدم مصطلح (القطاع الثالث) للإشارة إليه.
وبالنسبة للمتخصصين، فيختلف التصنيف بحسب المجال العلمي:
- السياسيون يطلقون على القطاع الحكومي اسم (القطاع الأول)، كونه يمثل أول التكوينات الاجتماعية في الدولة، يليه القطاع الخاص أو التجاري ويطلقون عليه أيضًا (القطاع الثاني)، في حين أنهم يعتبرون القطاع غير الربحي هو (القطاع الثالث).
- أما علماء الاقتصاد، فيقسّمون قطاعات الدولة إلى ثلاث قطاعات: الحكومة، والقطاع الربحي -الخاص-، والقطاع غير الربحي.
- في حين يرى علماء الاجتماع الأمر بمنظور مختلف، حيث يقسمونها إلى: الحكومة، والقطاع الخاص، والقطاع التطوعي، معتبرين أن صفة “التطوع” هي السمة الأبرز في نشاطات القطاع غير الربحي.
وفي السنوات الأخيرة، برز مصطلح جديد هو (منظمات المجتمع المدني)، وهو تعبير يشير إلى النشاطات المدنية والأهلية، التي تشمل الأحزاب، الجماعات السياسية، النقابات العمالية والصحفية، ونشاطات المواطنة بمختلف أشكالها.
وفي هذا المقال، سأسلط الضوء على أبرز مصطلحين يُستخدمان للتعبير عن هذا القطاع، وهما: العمل التطوعي، والعمل الخيري، ثم سأُعرّج على المصطلحات الأخرى التي تُستخدم للدلالة على العمل غير الربحي ([1]).
العمل التطوعي:
من الملاحظ أن نظرة الناس حول التطوع تنحصر غالبًا فيما يمكن بذله من مالٍ، أو وجهد لصالح جهة خيرية مِن وقتٍ لآخر، في حين أن العمل التطوعي يتعدى ذلك الفهم المحدود، فهو يشمل كافة جوانب العطاء، لكل ما هو مفيد في إعمار الحياة، سواءً بالمال، أو بالجهد، أو بالوقت، أو حتى بالفكر والإبداع.
ويمكن النظر إلى التطوع من منظورين:
- على المستوى الفردي: فهو ما يفعله الإنسان اختيارًا دون إلزامٍ قانوني أو شرعي.
- على المستوى المؤسسي: هو الجهد الذي يبذله أي إنسان لمجتمعه بلا مقابل؛ للإسهام في تحمل مسؤولية مؤسسته، التي تعمل على تقديم الرعاية الاجتماعية ([2]).
تعريفات متنوعة للعمل التطوعي:
تعرِّف مؤسسة الملك خالد الخيرية العمل التطوعي بأنه: العمل غير مدفوع الأجر، أو المساهمة بالوقت لخدمة الآخرين، خارج نطاق الأسرة، ولا يكون الشخص مضطرًا للقيام به، ويمكن تقديمه من خلال منظمة غير ربحية أو يُقدَّم بشكل مباشر ([3]).
أما الشطي فيرى أن التطوع هو: الجهد الذي يتبرع به الإنسان طواعية من نفسه، ولم يكن واجبًا عليه، لتقديم عمل مشروع، يحقق معنى الاستخلاف في الأرض وإعمار الكون، تقربًا إلى الله عز وجل، وطاعًة له، من غير انتظار أجر، إلا من الله عز وجل ([4]).
وهناك تعريف آخر يُقدِّم رؤية شاملة، حيث يُعرَّف العمل التطوعي بأنه: نشاط إرادي يُقدَّم بصورة فردية أو جماعية، وينطلـق مـن مـسئولية أخلاقيـة واجتماعية؛ لمساعدة الآخرين، وخدمة وتنمية المجتمع، وحل مشكلاته وتلبية احتياجاتـه، دون انتظار لعائد مادي، ويكون من خلال مؤسسات حكومية وغير حكومية، وبصورة مؤقتة أو مستمرة ([5]).
وبناء على ما سبق يمكننا تعريف العمل التطوعي بأنه: العمل الذي يقدمه الفرد طوعًا، من غير إلزام قانوني أو شرعي؛ لخدمة الآخرين، سواءً بشكل فردي، أو من خلال مؤسسات اجتماعية.
العمل الخيري:
في السنوات الأخيرة، بدأ استخدام مصطلح (العمل الخيري) بشكل متزايد، ليُعبّر عن الأنشطة غير الربحية التي تقدمها المنظمات الاجتماعية، كما يُستخدَم أيضًا للإشارة إلى كل ما يقدمه الإنسان من مال أو جهد؛ لمساعدة غيره دون مقابل مادي، مع مراعاة ألا يقترن هذا العمل بمخالفات شرعية أو قانونية.
وعلى الصعيد الدولي يطلَق العمل الخيري على الأعمال الإغاثية التي تقدمها المؤسسات، والجمعيات، والحكومات، والمنظمات غير الحكومية، لأهداف إنسانية بحتة، وبطرق شرعية ([6]).
ويمكن النظر إلى مصطلح العمل الخيري من منظورين:
- المنظور الفردي، حيث يمكن تعريف العمل الخيري بأنه: النفع المادي أو المعنوي، الذي يقدمه الإنسان لغيره، دون أن يأخذ عليه مقابلًا ماديًا.
- المنظور المؤسسي، فيُعرَّف بأنه: عملٌ يشترِك فيه جماعة من الناس؛ لتحقيق مصلحة عامة، من خلال جمع التبرعات وصرفها في أوجه الأعمال الخيرية، بقصد نشاط اجتماعي، أو ثقافي، أو إغاثي، من غير قصد الربح لمؤسسيها ([7]).
تعريفات متنوّعة للعمل الخيري:
يرى العبيدي أن العمل الخيري هو: العمل المنظم الذي يخضع لمجموعة من النظم والقوانين، ويهدف إلى مساعدة المجتمع بصفة عامة، أو يركز على فئة من فئات المجتمع، كالمسنين، أو ذوي الاحتياجات الخاصة، أو الفقراء، وغالبًا ما يعتمد هذا العمل على التطوع، وفي العصر الحديث أصبحت الجمعيات، والمؤسسات، والمنظمات الخيرية، أهم الوسائل الرئيسة لتنفيذ العمل الخيري، بشتى صوره وأشكاله ([8])، ونلاحظ أن هذا التعريف ركز على العمل الخيري كعملٍ مؤسسيٍ منظم.
كما يوجد عدة تعريفات ركزت على الجهات الخيرية باعتبارها حجر الأساس للعمل الخيري، منها تعريف أبو رمان للجهات الخيرية بأنها: تلك الكيانات التطوعية، غير الهادفة للربح، والتي تهدف بالأساس إلى إشباع احتياجات أفراد وجماعات المجتمع، وتحقيق التنمية المستدامة، دون الرغبة في الحصول على نفوذ سياسي أو أرباح اقتصادية ([9]).
أما تعريف منتدى الرياض الاقتصادي فهو أكثر تفصيلًا، حيث عرّفها بأنها: كيانات قانونية أو اجتماعية غير ربحية، منشأة بغرض التخفيف من المعاناة، وتعزيز مصالح الفقراء، وحماية البيئة، وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية، أو القيام بتنميـــة المجتمـــع، وإنتاج السـلع والخدمات، ولكن مركزها القانوني لا يسمح لها بأن تكون مصدرًا للدخل، أو الربح لمُنشئها، أو المشرف عليها، أو ممولها ([10]).
وبهذا المعنى قد تخرج الجمعيات التعاونية في المملكة العربية السعودية من المعنى الدقيق للعمل غير الربحي؛ كونها تنظيمات تسمح بتوزيع أرباح مالية على المساهمين، وإن كانت أُسست ابتداءً لخدمة هدف اجتماعي لفئة محددة من المجتمع.
مسميات العمل الخيري:
كما ذكرنا سابقًا فإن استخدام المصطلح يختلف تبعًا لتخصص الباحث، والسياق الذي يرد فيه، وفيما يلي أبرز المسميات والمصطلحات المستخدمة للتعبير عن هذا القطاع ([11]):
- القطاع الثالث: يشير إلى المنظمات غير الربحية، التي تعد الطرف الثالث في مثلث القطاعات، إلى جانب قطاع الأعمال والقطاع الحكومي.
- القطاع المستقل: يستخدم في بعض الدول الغربية، للتعبير عن أن هذه المنظمات تتسم بالاستقلالية التامة في إدارتها.
- القطاع التطوعي: يركز على مساهمة الأفراد في هذا القطاع، ويمثل النشاط الاجتماعي والاقتصادي الذي يقوم به الأفراد، وتنفذه الهيئات والمؤسسات الأهلية ذات النفع العام، دون عائد مادي مباشر للقائمين عليه.
- المجتمع المدني: يقصد به التنظيمات التطوعية المستقلة، التي تعمل في المساحة بين الأسرة والدولة، وتسعى لتحقيق منافع للمجتمع ككل أو بعض فئاته المهمشة، دون سعي لتحقيق الربح.
- القطاع الأهلي: انتشر هذا المصطلح في الثمانينات، للإشارة إلى القطاع غير الربحي في الدول العربية، كبديل لمصطلح المجتمع المدني، ويرى بعض الباحثين أن مصطلح (الأهلي) يحمل في طياته طابعًا قبليًا أو عائليًا، ويشير لعلاقات غير طوعية أحيانًا.
- القطاع غير الحكومي: ظهر هذا المصطلح بعد تأسيس الأمم المتحدة، ويُستخدم للإشارة إلى منظمات غير ربحية تطوعية، ينظّمها مواطنون على مستويات محلية أو دولية، ويقودها أصحاب اهتمامات مشتركة، وتُعنى بقضايا محددة.
- القطاع الخيري: نسبة إلى (الخير)، لذا يعرَّف بأنه النفع المادي أو المعنوي، الذي يقدمه الإنسان للغير بدون مقابل مادي؛ بدافع تحقيق هدف أسمى، مثل الأجر الأخروي أو الشعور بالرضا الداخلي.
- قطاع الاقتصاد الاجتماعي: ينتشر هذا المصطلح في الدول الأوروبية، ويشير إلى الأنشطة والمنظمات المنبثقة عن ريادة الأعمال الاجتماعية، التي تتمحور حول خدمة أعضائها، أو فئة اجتماعية محددة، والأولوية فيها للأشخاص والأنشطة الاجتماعية، في توزيع الفوائد والدخول، بدلًا من رأس المال.
- القطاع المُعفى من الضرائب: يُستخدم هذا المصطلح غالبًا في الولايات المتحدة، للإشارة إلى المنظمات غير الربحية المعفاة من الضرائب وفق القانون.
- جمعيات النفع العام: يطلق على الجمعيات التي تُحقق منفعة عامة مشتركة، وغالبًا ما تُمنح امتيازات قانونية وتشريعية، تجعلها متميزة عن باقي الجمعيات، تقديرًا لدورها في خدمة المجتمع.
تعددت مسميات هذا العمل وتنوعت تعريفاته، لكنها جميعًا تلتقي في هدف واحد؛ خدمة الإنسان، والارتقاء بالمجتمع، دون انتظار مقابل مادي، فالأعمال التطوعية والخيرية ليست مجرد مفاهيم عابرة، بل هي ركيزة أساسية في بناء المجتمعات، ووسيلة فعّالة لتعزيز التكافل الاجتماعي، وتحقيق التنمية المستدامة.
ومع تطور الزمان واختلاف السياقات الثقافية، والسياسية، والاقتصادية، أصبح من الضروري فهم هذه المصطلحات بدقة، وتفعيل دور المؤسسات والأفراد في هذا القطاع، بروح مسؤولة ومبادرة واعية،
فالعمل الخيري ليس مجرد نشاط، بل هو قيمة إنسانية عميقة، تعبّر عن جوهر التراحم، والتعاون بين البشر.
([1]) مؤسسة الملك خالد الخيرية (2018). آفاق القطاع غير الربحي. المملكة العربية السعودية، والمحتوى العلمي في الأصل مقتبس من رسالة الدكتوراه للكاتب، وهي بعنوان (دور التخطيط الاستراتيجي في تطوير أداء المؤسسات الأهلية).
([2]) مؤسسة أول انجاز للاستشارات الإدارية (2014). التوجهات الجديدة للعمل الخيري بالمملكة العربية السعودية.
([3]) مؤسسة الملك خالد الخيرية (2018). آفاق القطاع غير الربحي، ص: 59.
([4]( الشطي، خالد يوسف (2009، مارس 23-24). ثقافة العمل التطوعي بين الشباب ومدى أهميته الفردية والمجتمعية، ص: 3.
([5]) عبد الجواد، مروة عزت (2015). استراتيجية مقترحة لتفعيل العمل التطوعي بجامعة بنى سويف كقيمة مضافة. مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر، 4(165)، ص:234.
([6]) حطاب، كمال توفيق (د.ت). أثر العمل الخيري الإسلامي على الاستقرار الاقتصادي.
([7]) مهدى، محمد صالح جواد مهدى (2012). العمل الخيري” دراسة تأصيلية”. ص:212.
([8]) العبيدي، إبراهيم بن محمد (2010). جمع التبرعات للجمعيات الخيرية، الأسس والأساليب. ص: 45.
([9]) أبو رمان، سامر رضوان (2015). المؤسسات الخيرية المانحة في عيون الجهات الخيرية. ص:25.
([10]) منتدى الرياض الاقتصادي. (2020). دور القطاع غير الربحي في الـتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة العربية الـسعودية.
([11]) وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية (1434هـ). القطاع غير الربحي: تعريفه، مسمياته، كياناته، ومنهجية قياس مساهمته في الناتج المحلي والإجمالي.