محتويات المقال

الكاتب

د. إبراهيم الخميس

الرئيس التنفيذي

في عصرنا الحاضر نرى أعرق الجامعات في العالم تعتمد بشكل كبير على الأوقاف لتغطية مصاريفها التشغيلية ومشاريعها البحثية، كأوقاف جامعة أكسفورد التي تزيد عن ستة مليار دولار، ومثلها أوقاف جامعة كامبردج، وكأوقاف الجامعات الأمريكية التي تزيد أصولها مجتمعة عن (516) مليار دولار، منها (91) جامعة يزيد حجم أوقافها عن مليار دولار، وتعتبر جامعة هارفرد من أغنى الجامعات في العالم حيث يزيد حجم أصولها عن (39) مليار، تليها جامعة تكساس (31) مليار، وجامعة يل (30) مليار، وأغلب هذه الأوقاف الجامعية الكبيرة تدار من خلال جهات استثمارية متخصصة وفق إطار حوكمة يضمن الحفاظ على مصلحة الوقف وترشيد قراراته وتفعيل دور مجالس الإدارة ويمنع التصرفات غير السليمة للتنفيذيين *(1).

جامعاتنا اتجهت مؤخراً لتأسيس الأوقاف كرافد من روافد التنمية والنهضة العلمية، إلا أن حجم أصولها ما زال تحت المأمول رغم أن عدداً منها أسس قبل سنوات كثيرة، وستناقش هذه المقالة سبل تعظيم الأصول الوقفية لجامعاتنا ودور الحوكمة والشفافية واستقلالية الوقف في إقبال الواقفين على الوقف الجامعي والتعليمي، بدءاً من استعراض تاريخ الوقف التعليمي في الإسلام.

أوقاف الجامعات بين الماضي والحاضر:
على مر التاريخ الإسلامي كانت الأوقاف التعليمية أكبر رافد للتنمية والنهضة الحضارية لدى المسلمين حيث لم تخل مدينة أو بلدة من دارٍ للعلم “مكتبة موقفة”، سواء كانت متناهيةً في الصغر في زقاق قرية من القرى أو كانت كبيرةً كدار العلم التي أنشأها أبوالقاسم الموصلي (ت 323هـ) والتي كانت تمنح الغريب المعسر ورَقاً وورِقاً أي نقوداً، أو كخزانة العلم التي أوقفها علي بن يحيى بن المنجم (ت275هـ) – نديم المتوكل العباسي – والتي كانت جزءاً من قصره وكانت تحوي غرفاً للطعام وأخرى للنوم خصصت للغرباء وطلاب العلم الآفاقيين الذين تعنى بهم الخزانة وتنفق عليهم من خلال الأوقاف التي أوقفها أبو الحسن المنجم رحمه الله، ومثل الصُّفة التي بناها الأمير محمد بن لقمان بن سامان (ت 325هـ) لطلاب العلم وأوقَف عليها أوقافاً طائلة تصرف على من يسكنها.

لقد انتشرت الأوقاف التعليمية الكبيرة منذ القرن الرابع الهجري وكانت بمثابة كليات وجامعات عالمية يقصدها المسلمون وغير المسلمين، وكانت تنفِق على الطلاب ومعلميهم، ويرى المؤرخون أن أول مدرسة وقفية كبيرة هي دار العلم التي أسسها الوزير أبو نصر سابور بن أردشير عام (383هـ)، تلاها تأسيس العديد من المدارس كالمدرسة الصادرية (أول مدرسة وقفية في دمشق) عام (391هـ) ثم المدرسة الرشائية (400هـ)، حتى جاءت سلسلة المدارس النظامية التي أسسها الوزير نظام الملك (ت 485هـ) والتي تعتبر من أشهر الجامعات العالمية في عصرها والتي أوقِفت عليها الأوقاف وكانت تتكفل بإطعام الطلاب وتجري عليهم الرواتب.

ثم جاءت المدرسة المستنصرية عام (631هـ) والتي كانت أعظم جامعة متطورة في تاريخ الإسلام بل في العالم كله ذلك الوقت، والتي يقول الذهبي أنه رأى نسخة وثيقة وقفها في خمسة كراريس! وعدّد أصولها الوقفية الضخمة والتي تقارب أوقاف جامع دمشق، وكانت هذه الأوقاف تصرِف على المدرسين والطلاب والعاملين، وقد رُصِد لهذه الجامعة أكثر من ثلاثمئة عضو هيئة تدريس على المذاهب الأربعة إضافة إلى أحد عشر معلماً وباحثاً في مجال الطب.

ويذكر لنا التاريخ خبر المدرسة النورية (نسبة إلى نور الدين محمود) في دمشق والتي كانت – كما ذكر ابن جبير – من أحسن مدارس الدنيا تصميماً تحوي قاعاتٍ للمحاضرات وغرفاً للمدرسين وخدم المدرسة وسكناً لمدير الجامعة وعائلته، وقد تنافس الأثرياء على وقف الأوقاف الكثيرة لرعاية هذه الجامعة وكتبت وقفياتهم على أحد أبواب المدرسة!
ومن الجامعات الوقفية الكبيرة في ذلك الوقت (المدرسة الصلاحية) التي أنشأها الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي ووقف عليها أوقافاً كبيرة عام (588هـ) وكانت تدرس سائر العلوم من حساب وهندسة وفلك واقتصاد إضافة إلى تدريسها المذهب الشافعي.

وكانت كثير من هذه الجامعات تعطي الطلاب مرتباتٍ دورية وتستضيفهم في السكن الجامعي أو الأروقة كما يطلق عليها في جامع الأزهر.
أما في العصر المملوكي فلا تكاد تحصي المكتبات الوقفية والمدارس والجامعات الوقفية ومن أشهرها (المدرسة الظاهرية) وهي جامعة غاية في الجمال أنشأها الظاهر بيبرس (ت 676هـ) ومدرسة المحلي التي بناها كبير التجار برهان الدين إبراهيم المحلي (ت 806هـ) والمدرسة الحجازية التي أسستها السيدة خوند تتر الحجازية ابنة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون وأوقفت عليها الأوقاف.

ولم تكن الجامعات موقوفة على علوم الدين فحسب، فالمدرسة المهذبية بالقاهرة متخصصة في الطب (بناها رئيس الأطباء المستشفى المنصوري بالقاهرة)، ومثلها المدرسة الدنيسرية التي أنشأها كبير الأطباء في دمشق عماد الدين الدنيسري (ت 686هـ) والمدرسة اللبودية التي أنشأها الطبيب نجم الدين اللبودي في سنة (664هـ) وكلها كانت تمولها الأوقاف الموقفة عليها والتي ينفَق من ريعها مكافآت للمعلمين والطلاب ويشترى لهم بها الكتب.
وقد عنيت الأوقاف بكل أطراف العملية التعليمية حتى أنها كانت تغطي بدل النقل لمنسوبيها! كما في (وقف البغلة) الذي خُصِّص مصرفه للإنفاق على بغال أعضاء هيئة التدريس في الجامع الأزهر.

ولم تكن الأوقاف العلمية في كل العصور مقتصرة على الخلفاء وكبار التجار بل كانت منتشرة في الطبقة المتوسطة من التجار والموسرين والعلماء، وكان الواقفون يختارون أفضل المتولين والنظار لإدارة أوقافهم *(2).

الوقف هو مفخرة الإسلام، والواقفون الذين ساهموا في بناء نهضتنا العلمية قبل أكثر من ألف سنة، مستعدون اليوم لوقف الغالي والنفيس من أموالهم لإحياء نهضة علمية تنهض بها الأمة وترتفع رايتها بين الأمم، إلا أن أدوات الحوكمة ومتطلباتها في هذا الزمن تختلف عنها في تلك الأزمان، فلكي تحظى أوقاف الجامعات بثقة المحسنين والواقفين يجب أن تبنى على أسس متينة وأصول ثابتة، وكلنا أمل – بإذن الله – أن نرى جامعاتنا في مصاف الجامعات العالمية التي تزخر بأصول وقفية ضخمة، وإيرادات وقفية عالية، تساهم في دعم مسيرتها العلمية وتحقق لها الاستدامة المالية ولا يكون ذلك إلا بالإدارة الرشيدة والحوكمة العالية التي تمنحها ثقةً لدى الواقفين وإقبالاً من الموسرين.

الإطار التنظيمي لأوقاف الجامعات:
يمكن إجمال الإطار التنظيمي لأوقاف الجامعات في النقاط التالية:

  • التشريعات الضابطة لأوقاف الجامعات التي صدرت حتى كتابة هذا المقال هي:
    • نظام الهيئة العامة للأوقاف الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/11) في 26/2/1437هـ؛ ووفقاً لهذا النظام فإن أوقاف الجامعات هي أوقاف عامة تتولى الهيئة تسجيلها بعد توثيقها في وزارة العدل، وتشرف عليها وتراقب أعمال نظارها، دون الدخول بأعمال النظارة، ومن ذلك اطلاعها على التقارير المحاسبية السنوية، وتكليف ممثل عنها لحضور اجتماعات جمعياتها العامة إن وجدت، وطلب تغيير المراجع القانوني، وتحريك الدعوى – إذا لزم الأمر – أمام القضاء لعزل النظار الذين يخفقون في تحقيق أهداف أوقاف الجامعة، ويحق لهذه الأوقاف وفقاً للنظام فتح الحسابات التجارية وممارسة العمل التجاري، ولها الحق باستقبال الهبات لتعظيم أصولها الوقفية.
    • نظام الجامعات الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/27) في 2/3/1441هـ؛ والذي أسند لمجلس شؤون الجامعات إقرار اللوائح المنظمة لإدارة الأوقاف في الجامعات بالتنسيق مع الهيئة العامة للأوقاف، وأسند لمجالس الجامعات (اقتراح) القواعد المنظمة لإدارة أوقافها على ضوء اللوائح التي سيصدرها مجلس شؤون الجامعات، وأتاح إمكانية تخصيص أوقاف الجامعة جزءاً من أراضيها بعد التنسيق مع الهيئة العامة لعقارات الدولة، وأكد النظام (في المادة 48)على أن الأوقاف التي تنشئها الجامعة وتضع لها مجلس نظارة هي أوقاف مستقلة عن الجامعة لها شخصيتها الاعتبارية ولها الحق بتأسيس الشركات والاستحواذ عليها وممارسة العمل التجاري، وأنها تدار وفقاً للقواعد التي اقترحتها الجامعة وأقرها مجلس شؤون الجامعات (بما لا يتعارض مع شروط الواقفين)، كما أتاح النظام للجامعة فتح حساب بنكي مخصص لأوقاف الجامعة، وأتاح للأوقاف فتح حسابات بنكية خاصة بها.
  •  أوقاف الجامعة هي كيان مستقل عن الجامعة لها شخصيتها الاعتبارية المستقلة، وذمة مالية منفصلة، وهي خاضعة لإشراف الهيئة العامة للأوقاف ورقابتها، ولذا يجب أن تتمتع بحرية واستقلالية كاملة في اتخاذ القرارات ورسم الاستراتيجيات، ولا يعني ذلك أن تغرد الأوقاف خارج سرب الجامعة، لأنها مرتبطةٌ في كل الأحوال بأهدافٍ حددتها الجامعة ووافقت عليها وكتبتها في وثيقة الوقف قبل تأسيسه، ويجب على قيادات الجامعة التي تشارك في أعمال النظارة للأوقاف (بصفتها الوظيفية) عدم الخلط بين المنصب الوظيفي في الجامعة، والدور الوظيفي في الوقف، ويجب عليهم ألا يتعاملوا مع الوقف كما لو كان أحد منشآت الجامعة وعماداتها، ومن ذلك:
    • إدارة الوقف من خلال مجلس النظارة لا من خلال مجلس الجامعة.
    • منح الوقف هوية مستقلة عن هوية الجامعة (ومنبثقة منها).
    • يفضل أن يكون مقر الوقف خارج أسوار الجامعة لتعزيز مبدأ الاستقلالية.
    • الأوقاف كيانات تتبع القطاع الخاص لا العام؛ وعليه فتأسيس الموقع إلكتروني للأوقاف يجب أن يكون مستقلا عن موقع الجامعة وعن سيرفراتها، وحسابات الوقف البنكية مستقلة، ولا تشرف عليها الجامعة، وعلى إدارة الوقف التسجيل في التأمينات الاجتماعية وهيئة الزكاة والدخل والموارد البشرية وتأسيس شركاتها من خلال وزارة التجارة، والتعامل مع التعاقدات والتوظيف كما القطاع الخاص.
  •  أوقاف الجامعة وإن كانت أوقافاً خيرية عامة إلا أنها أوقاف مخصصة على مصرف تنموي محدد، ولا يمكن السماح لمن أراد أن يخصص للجامعة – أو لبعض مرافقها – وقفاً أن يقوم بذلك دون الرجوع إليها والتنسيق معها، لذا يجب أن تتضمن التشريعات تنظيماً خاصاً لتأسيس الأوقاف، بحيث تؤسس الجامعة وقفها الأول باسم (أوقاف جامعة….) وتسمح وثيقتها الوقفية بانضمام الأوقاف الأخرى لهذا الوقف بعد موافقة مجلس الجامعة على الوقفية الجديدة، وانضمام الواقفين لجمعيته العامة وفق ضوابط تحددها وثيقة الوقف، وتكون الأوقاف التالية لهذا الوقف مرتبطة بالوقف الأول من جهة شروط الوقف ونظارته وإدارته وأموره المالية، ويكتفى – عند الحاجة – بالنص على المصارف الخاصة إن وجدت كأن يكون الوقف مخصصاً لإحدى كليات الجامعة أو مراكزها العلمية أو البحثية.
  • ليس من المتوقع أن يتم تأسيس الوقف بجمعيته العامة مباشرة، ولذا يجب أن تتضمن التشريعات تأسيس مجلس نظارة مؤقت (مجلس تأسيسي) لاتزيد مدته عن سنة يتولى إدارة الوقف مؤقتا ريثما يتم تأسيس جمعيته العامة التي سترشح أول مجلس نظارة للوقف، ويتوقع أن تتضمن التشريعات ضوابط لترشيح أعضاء مجلس النظارة ومكافآتهم ودورات المجلس وصلاحياته، وصلاحيات الأمين العام.

هيكل حوكمة أوقاف الجامعة:

أوقاف الجامعة ليست وقفاً واحداً، وإنما مجموعة من الأوقاف المتحدة تحت إدارة واحدة وإن تعددت واختلفت مصارفها *(3)، ولأنها أُسِّسَت لتحوي أصولاً وقفية ضخمة فيجب أن تبنى هيكلتها على أعلى مستويات الحوكمة لتشمل ثلاث مستويات تنظيمية:

  • المستوى الرقابي: يمثله (الجمعية العامة)، وتضم الواقفين الذين أوقفوا أصولا كبيرة *(4) كما تضم نسبة من المقاعد تُخصَّص لممثلي منسوبي الجامعة *(5)، وتعتبر الجمعية العامة هي صاحبة السلطة العليا في الأوقاف، وليس لها رئيس وإنما يدير جلساتها رئيس مجلس النظارة، وتختص الجمعية – على وجه الاختصار – بما يلي:
    • ترشيح أعضاء مجلس النظارة، وعزلهم.
    • إبراء ذمة مجلس النظارة بنهاية السنة المالية، وتدقيق الحسابات الختامية للوقف.
    • اعتماد لائحة حوكمة الوقف، والتعديلات على الوثيقة الوقفية.ِ
  • المستوى الإشرافي: يمثله (مجلس النظارة) المعيَّن من الجمعية العامة *(6)، وهو السلطة الحاكمة في الأوقاف، وهو المسؤول عن قيادة الأوقاف واستراتيجيتها وبناء أنظمتها وإجراءاتها، ومتابعة أداء قياداتها ولجانها التنفيذية، وبناءً على آلية التصويت ِالتراكمي لاختيار الأعضاء فيتوقع وجود مقاعد في المجلس تمثل الجامعة، وأخرى تمثل الواقفين، وينبثق عن المجلس أربعة لجان دائمة على الأقل هي:
    • لجنة الحوكمة: وهي لجنة أغلب أعضائها مستقلين تعنى بضبط حوكمة الوقف، وإدارة المخاطر، والمراجعة الداخلية.
    • لجنة المكافآت والترشيحات: وكل أعضائها مستقلين تعنى بترشيح القيادات وتحديد المكافآت للمناصب القيادية وإعداد السياسات المنظمة لذلك.
    • لجنة الاستثمار: تضع سياسات الاستثمار وتراقب الأداء الاستثماري للوقف وشركاته، ويتعين ضبط صلاحيات إدارة الاستثمار مع صلاحيات لجنة الاستثمار، وعلاقة كل منهما بالآخر، وذلك في لائحة الاستثمار التي تعتمد من مجلس النظارة.
    • لجنة المنح: يخصص نصف مقاعدها على الأقل لمنسوبين من مجلس الجامعة، وتعنى بتوجيه مصارف الأوقاف وفقاً لشروط الواقفين، وتضع استراتيجيات المنح المتوافقة مع احتياجات واستراتيجيات الجامعة، ويتعين ضبط صلاحيات إدارة المنح مع صلاحيات لجنة المنح وعلاقة كل منهما بالآخر في لائحة المنح التي تعتمد من مجلس النظارة.
  • المستوى التنفيذي: ويمثله الأمين العام للأوقاف، وسائر القيادات التنفيذية.
    وبطبيعة الحال لا يوجد خيار واحد في بناء الهياكل التنظيمية فلكل وقف إمكانات وممكنات وظروف تؤثر في بناء هيكلته.

العلاقات التنظيمية والمالية لأوقاف الجامعة:
كما ذكرنا آنفاً فإن الأوقاف كيان مستقل عن الجامعة، وللجامعة تمثيل مقيَّد في جمعيته العامة ومجلس نظارته وبعض اللجان العاملة، خاصةً لجنة المنح التي تتولى الصرف على الأنشطة والمصارف التعليمية، ويمكننا القول إنّ العلاقة القانونية بينهما هي علاقة منح، فالجامعة بطلابها ومنسوبيها ومرافقها ومناهجها وسائر بيئتها التعليمية هي المستفيد النهائي من ريع الوقف والذي له الحق كمستفيد بأن يراقب الأوقاف ويطالبها بالعدالة والشفافية وتوفير قنوات الشكوى وحماية مقدمي البلاغات.
وفي كثير من الأحوال تحتاج أوقاف الجامعة إلى تأسيس كيان أو أكثر لمهام الإدارة والتشغيل والاستثمار، ويختلف شكله القانوني حسب حجم الوقف ونوع أنشطته وتنوع استثماراته، وفيما يلي رسم توضيحي لحركة تدفقات الأموال لأوقاف الجامعة والأطراف ذات العلاقة (بأبسط صورها وبافتراض تأسيس شركة وقفية واحدة مملوكة للوقف):

توصيات ختامية:

  • بشكل عام تحتاج أوقاف الجامعة إلى إطار عام تشريعي منتظر سيصدر من مجلس شؤون الجامعات ينظم تأسيسها وأطر عملها، إلا أنها بالوضع التنظيمي الحالي قادرة على الانطلاق بدون أي إشكالات قانونية أو تشريعية.
  • يجب أن تقيس أوقاف الجامعة مستوى حوكمتها لتضمن بناء الحوكمة على أسس عالية، فإذا توفرت في أوقاف الجامعة الاستقلالية والشفافية وحسن الإدارة والتدبير، وتميزت بمستوىً عالٍ من الحوكمة فإنها ستنجح بإذن الله باستقطاب أموال الواقفين الذين يهمهم بالدرجة الأولى الاطمئنان إلى مآل أوقافهم، ثم يرغبون بالمشاركة في الرقابة والإشراف ثانياً.
  • يجب منح أمين عام الأوقاف صلاحيات واسعة لإدارة الوقف، ويجب أن يكون معيناً على ملاك الوقف، حتى ولو كان الأمين العام أستاذاً جامعياً فإنه يجب نقله للوقف بنظام الإعارة، لأن بقاءه على ملاك الجامعة لن يتيح له التفرغ لإدارة الوقف، كما أنه حين بقاءه سيخلط بين مرجعية مجلس النظارة الواجبة في الوقف ومرجعية مجلس الجامعة ومديرها والتي يفترض عدم وجودها أساساً.
  • في كل الأحوال يجب أن يكون أغلب أعضاء مجلس النظارة من خارج الجامعة لضمان استقلالية المجلس، ويجب ترشيح أعضاء فاعلين للمجلس يقضون تقريباً من الوقت نفس المعدل المعمول به في الشركات وهو (20) ساعة شهرياً، ويتوقع أن يكون جميع الأعضاء مؤهلين لتقديم المهام الاستشارية والرقابية في التخصصات التي تحتاجها الأوقاف*(7).
  • في بداية التأسيس قد تحتاج الأوقاف مساعدة الجامعة لها من خلال تزويدها بموظفين تابعين للجامعة (بنظام الإعارة) لكنه حل مؤقت، فالأوقاف تؤسس لتدعم الجامعة وليس العكس.
  • بناء على التجربة الغربية في إدارة أوقاف الجامعات فإن أغلب الممارسات تتجه إلى تعاقد الأوقاف مع شركات متخصصة لإدارة استثماراتها، واستقطابها لكفاءات متميزة في الإدارة والاستثمار في مجالس نظارتها ومناصبها القيادية، وهنا لا أقلل من مهارة وكفاءة الأكاديميين الذين تعتبر مشاركتهم الجزئية في مجلس نظارة الوقف أو بعض لجانه مهمة للمحافظة على رسالة أوقاف الجامعة كي لاتتحول إلى كيانات ربحية لاهوية لها.
  • من الطبيعي أن تتجه أوقاف الجامعة استراتيجياً لتأسيس الأصول والاستثمارات الضخمة، لكن يجب أن لاتغفل حاجتها تكتيكياً إلى مشاريع واستثمارات صغيرة تدر لها دخلا سريعاً وتساعدها في تغطية مصاريفها التشغيلية.
  • تحوي الجامعات آلاف المنسوبين من طلاب ومدرسين وموظفين، لهم احتياجات ومتطلبات داخل وخارج أسوار الجامعة، لذا من المتوقع أن تقدم الجامعة تسهيلات لأوقافها لتستثمر في خدمة منسوبيها.
  • الأوقاف كيانات مانحة تمتلك أصولاً وقفية تستثمرها وتمنح جزءاً من ريع هذه الأصول لكليات الجامعة ومرافقها وطلابها واحتياجاتها المتنوعة؛ لذا يجب ألا نتعامل معها كما لو كانت إدارة للنشاط الثقافي أو الاجتماعي! وعليه: فلا يتوقع أن تنشغل إدارة الوقف بتنظيم الدورات واللقاءات التثقيفية إلا ما كان منها في مجال الوقف بهدف (التسويق المعرفي) للوقف، وليس من المتوقع أيضاً التعامل مع الوقف كما لو كان جمعية خيرية ومظلة قانونية لاستقبال التبرعات للجامعة أو طلابها المحتاجين، فهذا الدور من الممكن أن تقوم به الجامعة مباشرة دون الحاجة للوقف.
  • يوصى في مرحلة التأسيس بعدم الإغراق في بناء اللوائح والتنظيمات والاكتفاء بما لايستقيم العمل إلا به، واختيار مجلس تأسيسي فاعل من داخل وخارج الجامعة قادر على تحقيق أهداف هذه المرحلة ونيل ثقة الواقفين، وتغلق هذه المرحلة بنجاح إذا تم تسجيل الأوقاف في الهيئة العامة للأوقاف وفتح حسابات الوقف البنكية، واستقبلت الأوقاف وقفين إضافيين على الأقل لتبدأ بهما الجمعية العامة أول اجتماعاتها.
  • يمكن الاسترشاد بالخطوات التالية لتأسيس وقف جامعي (تحت إشراف بيت خبرة متخصص):
    • فتح حساب بنكي باسم أوقاف الجامعة تابع للجامعة.
    • إعداد دراسة تسبق تأسيس الوقف لرسم توجهات الجامعة وممكنات وتحديات تأسيس الأوقاف، والإطار التنظيمي لهيكل الوقف، وتحديد التكاليف الأولية لتأسيس الوقف.
    • تمويل مرحلة التأسيس داخليا من الجامعة أو بمساندة المانحين بناء على الدراسة المعدة.
    • تأسيس (وثيقة وقفية) محكمة تحدد هيكل الوقف ومهام مجلسه التأسيسي والجمعية العامة ومجلس النظارة والأمين العام وصلاحيات كل منهم، وتنظم آلية انضمام الأوقاف الجديدة لهذا الوقف.
    • التسجيل في الهيئة العامة للأوقاف، وفتح حسابات بنكية لأوقاف الجامعة.
    • إعداد دراسة للإطار التنظيمي لهيكل حوكمة الوقف والكيانات التي يحتاجها.
    • إعداد لائحة حوكمة الوقف، واعتمادها من الجمعية العامة.
    • تأسيس الكيانات المساندة للوقف حسب احتياجه وفقاً لنتائج الدراسة.
    • إعداد اللوائح الأساسية لسير العمل (لائحة التنظيم المالي، لائحة تنظيم العمل الداخلي..الخ)
    • نشر ثقافة الوقف وتسويق الأوقاف الجامعية داخل وخارج الجامعة.
    • تأسيس الجمعية العامة وعقد اجتماعها الأول وتعيين أول مجلس نظارة للأوقاف، وحل المجلس التأسيسي.

ختاما..
ما أوردته في هذه المقالة يمكن تعميمه على كل الأوقاف التي تستهدف مصرفاً عاماً كأوقاف الحرمين والأوقاف الصحية والإسكان ونحوها مع مراعاة خصوصية واحتياجات كل قطاع، والله ولي التوفيق.

مصادر ومراجع

([1]) ينظر كتاب: أثر الأوقاف في تنمية الجامعات الأمريكية، عبدالعزيز بن طواله، الرياض : استثمار المستقبل. 1438هـ، ومقال: (أكبر 10 صناديق جامعية في أمريكا)، وليد منصور ، القبس. (https://cutt.us/nebCQ).

([2]) ينظر (روائع الأوقاف في الحضارة الإسلامية) ، د. راغب السرجاني ، 85 – 150 ، القاهرة: شركة نهضة مصر للطباعة والنشر 2010م.

([3]) ينظر فقرة (الأوقاف المتحدة) في مقال (الهيكل التنظيمي لحوكمة الوقف)، مركز المعرفة (https://estithmar.org.sa/alhaikal-altandheme-lehawkamat-alwaqf/)

([4]) يُضبَط في وثيقة أوقاف الجامعة حد قيمة الأصل الذي يدخل الواقف في الجمعية العامة، وتختلف الجامعات في تحديد الحد الأدنى، حسب حجم الجامعة وتوفر الواقفين، ويمكنها البدء بحد قليل نسبياً ثم رفع الحد في مرحلة لاحقة.

([5]) يقترح تحديد نسبة من المقاعد لأعضاء مجلس الجامعة وهيئة التدريس وأخرى لطلاب الجامعة، وذلك كي يتاح لكافة أصحاب المصلحة المشاركة في التأثير الإيجابي واتخاذ القرار.

([6]) الممارسة الشائعة في جامعاتنا هي تعيين معالي مدير الجامعة رئيساً للمجلس بصفته الوظيفية، وهذه الممارسة – وإن هدفت إلى المحافظة على الوقف وربطه بالجامعة – إلا أنها في حقيقة الأمر ترسخ كون الوقف جزءاً من الجامعة، محكوماً بأنظمتها، لا كياناً مستقلاً داعماً ومانحاً لها. وما الفائدة من تحميل معالي مدير الجامعة عبئ مسؤولية رئاسة مجلس النظارة وهو مثقل بالمهام والمسؤوليات الكبيرة؟ والأَولى هو منحه مقعدا دائما في الجمعية العامة ليكون في موضع المحاسِب والمسائل لا المحاسَب الذي ينتظر إبراء ذمته آخر السنة المالية، مع التنبيه إلى أن أوقاف الجامعات الغربية ليست مستقلة تماماً عن الجامعات، وأوقافها ليس لها شكل قانوني موحَّد، لذا فهيكلة حوكمتها تختلف عن أوقاف جامعاتنا.

([7]) ينظر : مسائل في حوكمة الشركات ، ديفيد لاركر، بريان تيان، (87 – 101)، ترجمة عبدالله أبواثنين ، الرياض: معهد الإدارة العامة، 1438هـ.

آخر تحديث للصفحة 2021/10/05

كلمات ذات صلة: